المقدمة
المحافظة على اللغة من الانقراض تعني المحافظة على تراث الناطقين بها وثقافتهم، والمحافظة كذلك على جزء من الثقافة البشرية باعتبار أن المتحدثين بها جزءٌ من الكيان البشري تتكامل ثقافتهم مع الشعوب الأخرى لتكوّن مجتمعة الموروث الإنساني، وأي موت لإحدى اللغات يعني موت لجانب من الثقافة الإنسانية.
ولعل التوقف عن ممارسة اللغة والاهتمام بلغة أخرى سواها هو واحد من أهم أسباب اندثارها، لأن اللغات تختفي لتوقف الناس -أصحاب هذه اللغة -عن استعمال لغتهم الموروثة ويبدؤون باستخدام لغة أخرى تكون اللغة المُسيطرة سياسياً، أو اقتصادياً، أو عسكرياً، أو دينياً أو غيره.
ولطالما كانت اللغات عرضة للانقراض على مرّ التاريخ البشري. حالياً ونظراً للعولمة، تتسارع معدلات اختفائها. وقد تختفي اللغات الأقل استعمالاً مع مرور الوقت وتستبدل بلغات أكثر شيوعاً؛ فتتخلى الأجيال الجديدة عن تعلم العديد من اللغات، أو يهملها المتحدثون البالغون الجدد، وبذلك تنقرض هذه اللغات بوفاة آخر متحدثيها. وهذا ما حدا بكراوس في العام 1991 وخلال الاجتماع السنوي لندوة اللغات المهددة بالانقراض الذي عقدته جمعية اللسانيات الأمريكية لإطلاق نداءه الأول لمواجهة أزمة اللغات المهددة للاندثار؛ أنظر (Krauss,1992). وعلى أثر مراقبته الوضع العالمي، أشارت تقديراته أنّ 10% من اللغات فحسب هي لغات آمنة على المدى الطويل، في حين أنّ أكثر من 50% في طريقها إلى الاختفاء، أو بمعنى آخر أنّها على طريق الاضمحلال، والنسبة المتبقية مهددة بالاندثار في نهاية هذا القرن (Lewis & Simon, 2001).
وتحرص منظمة اليونسكو على هذا الجانب كما تقوم عدة هيئات وجامعات أكاديمية عامة وخاصة بتتبع حالة اللغات المستخدمة وتصنيفها وتوثيقها بالإضافة إلى وضع خطط وبرامج مدعومة لتوثيق اللغات واللهجات المعرضة للانقراض. ويوجد العديد من التجارب الناجحة بهذا الخصوص والتي يجب أن تكون مستندا ومرجعاً للدراسات المهتمة بهذا الشأن.
هناك الآلاف من اللغات المهددة بالانقراض في العالم والتي تستحق دراسات حديثة لتوثيقها أو احيائها. والمملكة العربية السعودية، كجزء من العالم، تضم العديد من اللهجات المهددة بالانقراض كما أن لديها بعض اللغات أو ما يُعد لغات معرضة للانقراض. وحيث أن اللغة تعكس الهوية والتراث الوطني، فإنه لابد من وضع خطة لدراسات هذه اللغات واللهجات أسوة بما تقوم به دول العالم المتقدم للحفاظ على المحتوى اللغوي والثقافي لها.
اللغات واللهجات بالمملكة العربية السعودية
عاشت لغات كثيرة في الجزيرة العربية، وعبرّت في حينها عن كل ما كان يحتاجه الإنسان في تلك الفترات من مأكل ومشرب وتواصل وحرب وسلم وزراعة ومناسبات اجتماعية وسوى ذلك. وأغلب هذه اللغات مات واندثر، وقليل منها ما يزال حياً على نطاق ضيق، وضمن حدود القبيلة الواحدة، وعلى ألسنة كبارها في السن.
ضمن نطاق الجزيرة العربية، ثمة لغات مختلفة تتحدثها مجموعات قليلة في سلطنة عمان واليمن وأجزاء من جنوب وشرق المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج. وتتفرع هذه اللغات من اللغات السامية، وتعرف باللغات العربية الجنوبية المعاصرة أو السامية الجنوبية الشرقية. وهذه اللغات تعد من اللغات المهددة بالانقراض. وقد قامت عدة دراسات لجمع هذه اللغات وتوثيقها، ولكن مازالت هذه الدراسات قليلة، ومعظمها مكتوبة بلغات غير العربية.
هناك العديد من اللهجات المحلية الآن والتي تمتد جذورها لما قبل عصر التدوين. وهي تعد تنوع لغوي ثري يحمل الكثير من الموروث الثقافي للمملكة العربية السعودية. مما يلفت النظر أن كثيرا من هذه اللهجات بدأت تفقد العديد من صفاتها اللغوية وذلك نتيجة لسهولة التواصل، وخصوصاً غلبة التواصل الافتراضي في العصر الراهن.
إنّ خسارة اللغات واللهجات مسألة تثير القلق لأنّ ذلك يعني خسارة التنوّع الثقافي. لهذه الأسباب، تُطرح العديد من المشاريع على مستوى العالم هادفةً إلى منع خسارة اللغة وتنوعها أو إبطائها، ومن بينها مشاريع إعادة إحياء اللغات المهدّدة بالانقراض وتشجيع التعليم ومحو الأمية بين الأقليات.
من هنا لابد من المحافظة على هذه الثقافة وهذا الموروث عن طريق وضع برامج جادة يشارك فيها الجميع أفراداً ومؤسسات حكومية وخاصة للمحافظة على اللغات المهددة بالانقراض. لذلك قدمت وزارة الثقافة منح بحثية لدعم مثل هذه المشاريع ومنها مشروعنا هذا.
يقدم هذا المشروع من خلال مركز البحوث والتواصل المعرفي لدراسة اللهجات واللغات المعرضة للانقراض في المملكة العربية السعودية.
الهدف من المشروع
دراسة اللغات واللهجات المعرضة للانقراض في المملكة العربية السعودية ويشكل عدة أهداف فرعية كما يلي:
دراسة مبدئية لتحديد ما يلي:
تحديد أفضل الممارسات لتحديد اللغات المهددة بالانقراض والحفاظ عليها في التوافق مع متطلبات اليونسكو.
القيام بمسح شامل لكل اللغات واللهجات في المملكة العربية السعودية
تحديد اهم اللغات واللهجات المهددة بالانقراض وتقديم خطة عمل المنح البحثية والدراسة الميدانية.
كتابة تقرير مبدئي لما تم الحصول عليه من الدراسة المبدئية وتحضيره وحسب متطلبات اليونسكو.
عمل دراسة ميدانية تضم ما يلي:
١. تدريب فريق العمل الميداني في توثيق اللغات المهددة حسب منهجية اليونسكو
٢. التأكد من سلامة طرق التوثيق والتعامل مع اللغات واللهجات والاشخاص والتراث غير المادي المرتبط
٣. عمل دراسة ميدانية مفصلة عن 1 -3 من اللغات/اللهجات المهددة بالتعامل مع السكان المحليين بالتعامل مع الجهات المتخصصة من الجامعات والجمعيات وغيرها
٤. دعم الباحثين الذين يتكلمون اللغات واللهجات المهددة بشكل أولى ثم السعوديين ثم الباحثين الدوليين
٥. دراسة وتوثيق التراث غير المادي المتعلقة باللغات أو اللهجات المعرضة للانقراض
٦. تغطية كل الاحتياجات الفنية والتقنية والمالية وغيرها للدراسات الميدانية
المنهجية المتبعة لتنفيذ للمشروع
سيعتمد المشروع في دراسة اللهجات واللغات المعرضة للانقراض في المملكة العربية السعودية على المسح الأدبي والاطلاع على الممارسات والطرائق المستخدمة بمنظمة اليونسكو بالإضافة إلى التجارب العالمية الناجحة التي تمت في العالم منذ أن بدأ الإنسان الأوروبي بتوثيق ودراسة لغاته ولهجاته المعاصرة بمنهجية علمية منذ بداية القرن التاسع عشر. كما أنه سيعتمد على جمع البيانات اللغوية الحية ميدانياً من المتحدثين الأصليين حسب خطة دقيقة موضوعة مسبقا. وسيتم تدريب فريق متخصص لهذا النوع من الدراسات من قبل جامعتي ليدز ولندن.
:الفريق
:الفريق العلمي
أ.د. منيرة علي الأزرقي، جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
أ.د. سالم سليمان خماش، جامعة الملك عبدالعزيز
د. مشاعل علي العكلي، جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
د. حسن الفيفي، جامعة الملك سعود
د. ليلى حمد القحطاني، جامعة الإمام عبد لرحمن بن فيصل
:فريق البحث الميداني
ا. البندري القحطاني
ا. هند العتيبي
ا. لولو علي بن موسى